في 14/ 9/ 2023 أدرجت الشاعرة والصحافية سهام داوود على صفحتها قصيدة محمود درويش «سيناريو جاهز» ومعها صورته وصورة أخيه وكتبت:
[كتبها بعد حوار سياسي عميق مع شقيقه نصوحي درويش – في إحدى زياراته القليلة نسبيا إلى بيت والدته (لضرورات التأشيرة غالبا) حضرت النقاش الذي كان يجريه دائما مع شقيقه هذا بالذات – عاد في الزيارة اللاحقة حاملا نسخة من جريدة «الأيام» التي نشر على صفحاتها هذه القصيدة.. مد يده بالصحيفة إلى شقيقه قائلا، «خذ هذه قصيدتك». وفهمنا قصده حالا. أنشرها بذكرى رحيل نصوحي الثانية]
ولما قرأت ملاحظتها أشرت إلى زكي درويش عله يبدي رأيا، فلم يبد، وكتبت لها: «بناء على ملاحظتك هذه فإن القراءات العديدة للقصيدة تحتاج إلى إعادة نظر فيها. حين يقرأ المرء القصيدة بعيدا عن ملاحظتك ينصرف ذهنه إلى تأويل مختلف تماما، ولذلك قدم رشاد أبو شاور للقصيدة قراءة ترى أن من في الحفرة هما فلسطيني وإسرائيلي.
هل هناك مقابلات مع الشاعر تؤكد على ملاحظتك؟ من القراءات مثلا قراءة ترى أن الشخصين هما فلسطيني وإسرائيلي وأن الأفعى هي إيران».
فأجابت:
«- لا. ولست بحاجة لكي أبحث. لست بحاجة إلى تعزيز ما أكتب من وقائع/ حقائق».
إجابتها جعلتني أعقب:
«- لك ذلك ولكن إن كان هناك ما يعزز ملاحظتك فإنها تكتسب قوة وتضعف القراءات المختلفة الرافضة لموقف درويش في القصيدة كما فهمته القراءات».
فعادت وكتبت:
«- هما فعلا فلسطيني وإسرائيلي وهذا كان موضوع الحوار بينه وبين شقيقه. لماذا فهمت بشكل مختلف من منشوري؟»
الجدل بيني وبينها دفع مجدي عاشور إلى أن يعقب:
«- لا أظن أنه من الممكن تأويل الأفعى وكأنها إيران. هل محمود سطحي إلى هذا الحد ليفكر في إيران ولدينا مليون أفعى في صراعنا/ تعايشنا المشترك في الحفرة التي وجدنا فيها أنفسنا؟؟».
أما الكاتبة حنان باكير فكتبت:
«- فهمت القصيدة/ السيناريو بينهما على أنهما فلسطيني وإسرائيلي».
بعد يومين أدرجت سهام داوود القصيدة بصوت الشاعر وأضافت:
[ألقى الشاعر القصيدة بعدها بفترة قصيرة في آخر أمسياته في «رام الله» – في 1 تموز 2008، وكنت حضرتها بدعوة منه – وكانت ضمن احتفالية رام الله المدينة بمئويتها وكان عنوان الاحتفالية: «وين ع رام الله»-]
فعقبت: «العدو هو الإسرائيلي. هذا واضح تماما».
ووافقت سهام بإشارة إعجاب.
ولما كتبت في الأسبوعين الأخيرين عن كنفاني وحبيبي وعن القراءة وإساءة القراءة فقد تساءلت عن نصيب درويش منها، وله فيها نصيب أتيت عليه في مقالات كثيرة ولم أستثن نفسي.
. كتبت مرة مقالا عنوانه ” القراءة وإساءة القراءة : جدارية محمود درويش ثانية ” ( الأيام الفلسطينية 12/ 3/ 2013) توقفت فيه أمام قراءتي سطرا من جدارية درويش في العام 2000، أسأت فيها القراءة ، ثم قدمت قراءة جديدة أدق وأصوب .
أولى كتاباتي عن إساءة القراءة لأشعار درويش كانت في 19/ 9/ 1996″ والشاعر أيضا ينسى ” ( الأيام ) وثانيتها كانت في 4/ 9/ 2001″ قراءات أشعار محمود درويش : ملاحظات “( الأيام ) ، وثالثتها كانت في 29/ 12/ 2007″ درويش وأثر الفراشة : العمى والبصيرة ( الأيام ) ، وكان الشاعر ، حين يقرأ تأويلات لشعره لا تروق له يخاطب في شعره النقاد ، طالبا منهم ألا يسيئوا تفسيره ” [ إلى ناقد : ] لا تفسر كلامي / بملعقة الشاي أو بفخاخ الطيور ” ( ديوان ” حالة حصار ” 2003) و ” يغتالني النقاد أحيانا يريدون القصيدة ذاتها/ والاستعارة ذاتها / … يغتالني النقاد أحيانا /وأنجو من قراءتهم ،/ وأشكرهم على سوء التفاهم / ثم أبحث عن قصيدتي الجديدة ” ( أثر الفراشة 2007) وقد توقفت أمام المقطعين في غير مقالة ودراسة ( ” العودة إلى قراءات محمود درويش 7/ 1/ 2018) .
ترى ما هي أسباب إساءة قراءة أشعار الشاعر ؟ أمردها القصائد أم القاريء أم الشاعر ؟ وإن كان هو مسؤولا عن سوء التفاهم فأين تكمن مسؤوليته ؟
من خلال متابعة حثيثة لمسيرة درويش وأشعاره وما كتب عنها خلصت إلى الآتي:
تفوق إساءة قراءة أشعار درويش إساءة قراءة كنفاني وحبيبي، وأهم سبب في ذلك هو طبيعة الجنس الأدبي، فالشعر يحفل بمجازات واستعارات وصور قد توجد في الرواية ولكن بشكل أقل، وفيما عدا ذلك يتشابه الأدباء الثلاثة إلى حد ما. صحيح أن كنفاني كان في مواقفه السياسية أكثر وضوحا، ربما بسبب موقعه الذي حتم عليه اتخاذ مواقف حاسمة لا تردد فيها ولا ضغوط للمساومة والمناورة. وهكذا لم يكن لديه ازدواجية في كتاباته الأدبية والسياسية، فقرئ سياسيا وأدبيا دون إرباك.
بالإضافة إلى ما سبق فإن بعض التغييرات التي يجريها الشاعر على بعض قصائده، كحذف بعض الأسطر أو الإهداء أو إعادة صياغة قصائد ما أو استبدال كلمة بأخرى (قصيدة «تحت الشبابيك العتيقة» و»أحد عشر كوكبا»)، وخطأ الدارس في قراءة مفردة ما (كأن تقرأ كنبة نكبة) أو التنقل بين الضمائر أو إسقاط القارئ معطيات زمنه على النص المقروء ترك أثرا واضحا على قراءات عديدة (قراءة قصيدة «رحلة المتنبي إلى مصر» التي كتبت في 1980 ونشرت في مجموعة في 1083، واعتماد المجموعة وزمن نشرها أوقع الدارسين في تأويل القصيدة كما لو أنها كتبت في حرب بيروت 1982 أو بعدها وفسرها على أنها تأتي على الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي).
تم النشر بإذن من الكاتب