صدر حديثاً عن دار كنعان للدراسة والنشر في دمشق، كتاب “حوارات الترجمة” للكاتب والصحافي الفلسطيني/ السوري محمود أبوحامد، محتضناً بين صفحاته حوارات مع مترجمين من مصر والمغرب والعراق وسوريا وفلسطين.. أضافوا للمكتبة العربية أعمالاً متنوعة عن الاسبانية والانجليزية والفرنسية والألمانية والكردية واليونانية.. وتوزعت تلك الحوارات على أربعة أجزاء، الأول تحت عنوان: “محاولة لإنصافهم” ضم حوارات مع أسامة منزلجي، ورفعت عطفة، وعبد الصاحب البطيحي. والثاني بعنوان “اللغة الثالثة” ضم حوارات مع رندة بعث، وأسامة إسبر، وسعيد بوخليط. والثالث تحت عنوان”معايير الترجمة” وفيه حوارات مع عدنان حسن، وعبد المقصود عبد الكريم، وحسين عمر. والجزء الرابع والأخير جاء بعنوان”المقالة والشعر”، وضم حوارات مع رشيد غويلب، ومحمود الصباغ، وجمال حيدر.
وإضافة إلى المقدمة التي يستهل بها الدكتور محمد شاويش الكتاب، ويتطرق فيها إلى قضيتين طرحهما المشاركون في الكتاب: دوافع الترجمة، والترجمة بما هي مشكلة فهم الثقافات الأخرى.. ضمن الكتاب عدة مقالات عن الترجمة والمترجمين، جاءت تحت عنوان”آراء وتجارب” بدأها الدكتور أحمد برقاوي بمقالة أجاب عبرها على سؤال: ما الترجمة؟ وعلاقة الترجمة بالفلسفة، وما يسمى بظاهرة التأليف المترجم، وخاصة التأليف بالفلسفة الغربية وتاريخها. بالإضافة إلى دعوته إلى تجديد المعاجم العربية.
في مقالة الدكتور عادل أسطة ” أنا والترجمة” تحدث عن قراءاته وكتاباته وعلاقته بالترجمة من خلال تجاربه عامة، ومع محمود درويش وترجمات اللغة الألمانية خاصة.. في حين نقل لنا حسام الدين محمد، في مقالته “عربي يكتب شعراً بالإنكليزية: ترجمة العالم أم تفكيكه؟” تجربته حول ديوانه “Grave Seas” الذي كتبه باللغة الانجليزية.
الدكتور حسين شاويش، رجع إلى طفولته وبداية نشأته، في مقالته “الكتب المترجمة..انطباعات وتأمّلات” وكيف كادت الكتب المترجمة أن تكون صديق طفولته الأول.. في حين أكد الدكتور نبيل خليل في مقالته “الترجمة معرفة شمولية وإبداع” أن الترجمة عمل احترافي يتطلب من صاحبه اطلاعاً ومعرفة أوسع مما يمتلكه الكاتب أو الشاعر أو الأديب نفسه.. وصاحب ومدير دار كنعان للدراسات والنشر، الاستاذ سعيد البرغوثي، اختتم الكتاب بتسليط الضوء على تجربته الطويلة في تجسير الثقافات، وإضافة معارف جديدة للقارئ، عبر النشر بالعربية عامة والترجمة إليها خاصة.. مشيراً إلى أن بعض دور النشر تعتمد على مترجمين متواضعين لمحدودية إمكانيتهم بمجاراة المؤسسات غير الربحية و دور النشر الكبرى.. الأمر الذي يؤثر على نوعية الترجمة ومصداقيتها.
من جانبه أشار محمود أبوحامد إلى أن هذه الحوارات قد ارتقت بجدالها وجدلها الثري إلى ما يشبه المفاهيم الجديدة حول الترجمة، مفعمة بتجارب فريدة وجديدة للقائمين عليها، ولذلك ارتأى أن يضعها في كتاب، يؤرخ لها ويعيد نشرها باستمرار، ويحفظها للأجيال القادمة. مؤكداً أن هذا الكتاب محاولة لإنصاف المترجمين، لأنهم مظلومون عامة، وفي عالمنا العربي خاصة.. فرغم ما يشهده العالم من تطور علمي وتقني، انعكس على كل مجالات حياتنا، ومنها الفكرية والثقافية، ظل المترجمون مظلومين من القراء والنقاد ودور النشر، ومن بعضهم بعضاً أيضاً.. وبكل بساطة لا يمكن لأي قارئ عربي، يستعرض شريط ذاكرة قراءاته، أن يتذكر من ترجم رواية «زوربا» أو «ليلة لشبونة» مثلاً، أو أي كتاب كان، إذا لم تربطه بمترجم الكتاب علاقة خاصة، أو حادثة ما، أو يكون زميلاً له في المهنة، فالقراء بشكل عام لا يلتفتون للمترجم، بل يهتمون بعنوان الرواية واسم مؤلفها وحسب، ويساهم في ذلك تقصير دور النشر في إبراز اسم المترجم على الغلاف، أو تخصيص تعريف موجز بسيرته الذاتية وأعماله التي ترجمها.. لافتاً أن ظلم دور النشر لم يتوقف على ذلك، فإضافة للبخس المالي في شراء حقوق المترجم، تقوم دور النشر بطباعة الكتاب الواحد لعدة مترجمين، وأبسط مثال على ذلك «أهالي دبلن» لجيمس جويس، التي ترجمها أسامة منزلجي أولاً، وصارت بعد عدة سنين على رفوف المكتبات، وفي كل المعارض، بعدة نسخ ولعدة مترجمين..
وأضاف أن الانكى من ذلك هو أن المترجمين يظلمون بعضهم بعضاً أيضاً، في ظل غياب ما يسمى «الملكية الفكرية» والرقابة المؤسساتية والإعلامية، وغياب دورالنقاد والصحافيين الذين لا يسلطون الضوء على تلك التجاوزات من جهة، ولا يهتمون بنتاج المترجمين من جهة ثانية، فقلما نقرأ لناقد ما، تناوله لكيفية الترجمة ودقتها، والجوانب الإبداعية بين مترجم وآخر، والترجمة من لغة ثانية، وأمانة الترجمة.. ولا حتى تسليط الضوء على سرقة مترجم لأعمال مترجم آخر، كما حدث مؤخراً، حيث قامت إحدى دور النشر بالسطو على أعمال الأديب أمين معلوف، وطباعة كتبه بدون الرجوع إلى الترجمات الأصلية، ولا حتى إلى الكاتب ذاته..