عادل الأسطة يقدِّم قراءةً حول تجربة القائد يحيى السَّنوار.. العمل طابق القول

علي البطة

 دعا الدكتور عادل الأسطة الناقد الأدبي وأستاذ الأدب سابقا في جامعة النجاح، جميع مؤسساتنا وسفاراتنا وكتابنا إلى تدوين وتصوير ما يجري في قطاع غزة وتعميم كل ذلك في المناسبات والاحتفالات واللقاءات ومساحات الكتابة المختلفة.

وقدم الأسطة في مقابلة خاصة مع فلسطين أون لاين، قراءة معمقة لتجربة رئيس حماس الشهيد يحيى السنوار الأدبية في رواية الشوك والقرنفل، مشيرًا إلى أنه جمع بين القول والفعل.

وأشار إلى أن رواية السنوار برزت على المشهد الأدبي بعد 20 عاما من كتابتها بعد بروزه كقائد لطوفان الأقصى، وبالنهاية المشهدية العظيمة التي ارتقى فيها شهيدًا.

وبين أن أكبر الصحف العالمية التي التفتت إلى الرواية التفتت إليها بعد انتخابه خلفا لإسماعيل هنية، ولما كتب عنه في النيويورك تايمز كتب عنه كسياسي له رواية. رواية الشوك والقرنفل لها قيمة اجتماعية تاريخية وغالبا فإن مثل هذه الروايات لا تحمل أصحابها ولا تعرف بهم. إن عملهم السياسي الخارج عن المألوف هو ما يعرف بنتاجهم الأدبي.

فيما يلي نص القابلة

في مقال لك استعرضت قادة كتبوا في الأدب وقادة استشهدوا تحقيقا لبيت شعر مثل عبد الرحيم محمود، بماذا يتفق أو يختلف عنهم يحيى السنوار؟

في مقالي استعرضت أدباء فلسطينيين استشهدوا، منهم من كان كاتبا ومنهم من كتب ليلة إعدامه. عوض النابلسي مثلا صاحب “يا ليل خلي الأسير تايكمل نواحو” لم يكن كاتبا، وفاضت قريحته بنصه ليلة إعدامه. الآخرون الذين ذكرتهم اختلفوا قليلا فيما بينهم؛ فعبد القادر الحسيني نظم قليلا من الشعر ولم يعرف نفسه على أنه شاعر. لقد قدم نفسه وطنيا محبا لوطنه غيورا عليه وما كتبه من شعر هو شعر عادي أقرب إلى النظم. يختلف عنه نوح إبراهيم وعبد الرحيم محمود، فهما شاعران؛ الأول كتب الشعر الشعبي والثاني الشعر الفصيح، وشاركا في الفترات الحرجة في المعارك فاستشهدا وتطابق قولهما مع فعلهما. أما كتاب القصة والرواية من غسان كنفاني مرورا بعز الدين القلق وماجد أبو شرار فقد بدأوا أدباء ثم التفتوا إلى السياسة. منهم من زاوج بين الأدب والسياسة كغسان ومنهم من التفت إلى السياسة فطغى جانبها على حياته، والثلاثة اغتيلوا بالدرجة الأولى لنشاطهم السياسي. تتشابه حياة يحيى السنوار مع تجربة عز الدين القلق وماجد أبو شرار، فقد كتب الرواية ثم هجر الأدب إلى السياسة، وكان أن استشهد كما استشهدوا، لا لنصه الأدبي وإنما لفعالياته السياسية. ويختلف عن كنفاني بأنه لم يحمل بطيختي الأدب والسياسة معا. ويتشابه مع عبد الرحيم محمود ونوح إبراهيم في أنهم قرنوا بين القول والفعل. غنى نوح إبراهيم “كنا نغني بالأعراس ميجنا وعتابا ودحية .. وصرنا نغني بالأعراس عالجهادية الجهادية”. غنى والتحق بالجهادية. وقال عبد الرحيم محمود: ” سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى”، وحمل روحه على كفه، ومثلهما يحيى السنوار، رفع شعار” نصر أو استشهاد” واستشهد. لم يخف. لم يهرب. لم يتردد.

ما أهمية أن يكتب السياسي في الأدب؟

عندما كتب السنوار روايته كان سجينا. عاش تجربة ودونها ولم يكن يعرف على أنه سياسي مهم، ثم انقطع عن كتابة الأدب وواصل السياسة. في الفكر الماركسي ليس هناك فصل بين الأدب والسياسة. النضال يتخذ أساليب عديدة. ولنا في تجربة توفيق زياد وإميل حبيبي وغسان كنفاني مثال. هؤلاء زاوجوا بين الأدب والسياسة وإن كان حبيبي في سنواته الأخيرة تخلى جزئيا عن السياسة لصالح الأدب قائلا عبارته الشهيرة ” لا أستطيع حمل بطيختين بيد واحدة ” – يقصد الأدب والسياسة، ورأى أنه يمكن أن يخدم قضيته من خلال الأدب أكثر. عندما كان يمزج بين الأدب والسياسة قال لنا: ما لا أستطيع قوله في السياسة أعبر عنه في الأدب. في السياسة أسايس وأناور ولكن في الأدب أكتب الحقيقة وأكون أكثر صدقا. الأدب أصدق من السياسة.

قبل عشرين عاما كتبت الشوك والقرنفل بخاتمة تؤكد النصر أو الشهادة.. ما الذي تحقق من ذلك في شخصية الكاتب يحيى السنوار؟

طبعا تحققت الشهادة. لقد رفع إبراهيم بطل الرواية شعار ” نصر أو استشهاد ” فاستشهد. اللافت في نهاية الرواية أن الجيل الجديد مجسدا في ابن الشهيد إبراهيم حمل البندقية. يعني المسيرة من وجهة نظره ونظر تياره لم تتوقف. سوف تتواصل جيلا بعد جيل إلى أن يتحقق النصر. هل سيتحقق النصر؟ من يدري! حتى اللحظة لم يتحقق ولكنه قد يتحقق بعد عقد عقدين أو أكثر.

عند استعراض سجل طويل من الفلسطينيين الذين توقعوا استشهادهم منذ قرن حتى اليوم ما هو القاسم المشترك بين هذه الشخصيات؟

تحتاج الإجابة عن هذا السؤال إلى تقص. هل هو مقتصر على الساحة الفلسطينية؟ إن كان كذلك فيمكن النظر فيه والاطمئنان إلى إجابة. هذه شخصيات وطنية ينتمي أكثرها إلى الشرائح الاجتماعية الفقيرة المعدمة من أبناء الشعب الفلسطيني. أستثني عبد القادر الحسيني. وباستثناء نوح إبراهيم وعبد الرحيم محمود وكمال ناصر فإن أكثر الباقين ينتمون إلى فئة اللاجئين الفلسطينيين. كنفاني وماجد أبو شرار وعز الدين القلق وناجي العلي ويحيى السنوار. هؤلاء فقدوا الوطن وعاشوا في المخيمات أو في المنفى، وحتى كمال ناصر وجد نفسه بعد هزيمة ١٩٦٧ في المنفى بعيدا عن بيرزيت، علما بأنه ولد في غزة. ببساطة فإن المشترك بين هؤلاء هو تعرض وطنهم للاغتصاب وشعبهم للتشريد والاحتلال.

هل تؤدي الكتابات التي يستشهد كتابها الى إحداث تغييرات او تحولات اجتماعية. ما أبرز التحولات؟

التحولات الاجتماعية والتغيرات التي تؤدي إليها الكتابة يمكن رصدها بعد عقد عقدين ثلاثة أو أكثر. إن كثيرا من قراء كنفاني تأثروا بكتاباته وتركوا مواقعهم إلى مواقع أخرى. أعني أنهم انتموا إلى الثورة وتغير مسار حياتهم كله. لقد وعوا من خلالها عالمهم وأثر هذا في سلوكهم الفردي بالدرجة الأولى. من قرأ لكاتب يساري أو قومي أو إسلامي وتأثر به تأثر بسلوكه به. في رواية يحيى السنوار عبارة مهمة عن أثر الثقافة في أفرادها ” إعداد وتربية ” ثم العمل. أظن أن تأثير السنوار في سلوكه كان أقوى من تأثير روايته، علما بأنها تعبر عن شخصيته. إن سؤال جدوى الكتابة في التغيير سؤال حاضر في الأدب الفلسطيني. لطالما رددنا أسطر محمود درويش في قصيدته “وتحمل عبء الفراشة”: ” ستقول طالبة: ما نفع القصيدة؟ ” وقوله:” لم أجد جدوى من الكلمات إلا رغبة الكلمات في تغيير صاحبها “. عموما هناك من يقلل من شأن الأدب في إحداث تغييرات أو تحولات اجتماعية، لأنه يرصدها أكثر مما يثورها.

أي موقع أدبي تحتله الكتابات التي تتطابق مع الواقع؟

في النقد الأدبي هناك أكثر من مدرسة أدبية. هناك كتابات تمجد الماضي وأخرى تتطلع إلى المستقبل وثالثة تحاكي الواقع بطرق مختلفة منها ما يتطابق مع الواقع ومنها ما يختار منه ومنها ما يصوره كما ينبغي أن يكون. الكتابات التي تتطابق مع الواقع هي ما يعرف بالواقعية الفوتوغرافية. إنها تصور الواقع كما هو. هي أشبه بكاميرا تصور. لا هي واقعية نقدية ولا هي واقعية اشتراكية. كان الكاتب الفرنسي إميل زولا يدرس شخصياته ويرصد حركاتها وردود أفعالها كما تتصرف ويكتب عنها.

من يحمل من الى العالم.. السنوار يحمل روايته؟ أم الشوك والقرنفل هي التي عرفت السنوار أكثر للعالم؟

يحيى السنوار ونشاطه السياسي وما قام به في ٧ أكتوبر هو ما سيحمله إلى العالم. ظلت روايته عشرين عاما تقريبا مجهولة فيما كان هو معروفا. في ٢٠٢١ التفت إلى الرواية وعرفت القراء بها وقلت لهم إن السياسي كاتب رواية أيضا، وفي ٢٠٢٣ عدت إليها ثانية وكتبت عنها ٣٦ خربشة وعدة مقالات فذاع سيطها وكان هو معروفا. حتى أكبر الصحف العالمية التي التفتت إلى الرواية التفتت إليها بعد انتخابه خلفا لإسماعيل هنية، ولما كتب عنه في النيويورك تايمز كتب عنه كسياسي له رواية. رواية الشوك والقرنفل لها قيمة اجتماعية تاريخية وغالبا فإن مثل هذه الروايات لا تحمل أصحابها ولا تعرف بهم. إن عملهم السياسي الخارج عن المألوف هو ما يعرف بنتاجهم الأدبي.

ما الذي يؤدي الى انتشار الأعمال الأدبية للسياسيين وإشهار كتابها عند استشهادهم؟

الأحداث الكبرى التي يقومون بها. استشهادهم أيضا، ثم وجود ناقد أدبي يلتفت إليها، ولو لم ألتفت إلى الرواية في أثناء حربين؛ حرب ٢٠٢١ وحرب ٢٠٢٣ لظلت في طي النسيان. أتوقع هذا.

في كل محطة من محطات النضال الفلسطيني برزت أعمال أدبية لامعة تحض على التمرد والثورة ضد الاستعمار.. هل يمكن رصد إنتاجات أدبية في طوفان الأقصى؟

طبعا يمكن رصد نتاجات أدبية في طوفان الأقصى، ولكن ليس في الأجناس الأدبية كلها، فهناك أجناس أدبية تحتاج كتابتها إلى ظروف لا أظن أنها متوفرة في أدنى حالاتها لدى كتاب غزة. أعني هنا جنس القصة القصيرة وجنس الرواية وجنس المسرحية، ولكن هناك أجناسا أخرى تزدهر مثل الشعر واليوميات. في طوفان الأقصى قرأت لشعراء غزيين لم أقرأ لهم من قبل. آلاء القطراوي وياسمين العابد ورباح ناصر وآخرين، وقرأت يوميات لعشرات مثل خضر محجز ومريم قوش وشجاع الصفدي، ولا أنسى يوميات عاطف أبوسيف المبكرة حتى اليوم ال 87 . لقد صدرت في كتاب ترجم إلى ١٢ لغة عالمية وأكثر، وكان عاطف يوم كان وزير ثقافة في السلطة الفلسطينية أصدر لكتاب غزة ثلاثة كتب غلب عليها الشعر والشهادات وبعض القصص القصيرة. أنا أقيم في الضفة الغربية وقد دونت يوميات يوما يوما وصدر لي ولزياد عبد الفتاح في القاهرة في بداية هذا العام كتاب ” غزة تحت الإبادة الجماعية: حكايات الذين لم يغادروا”.

هناك كتاب عرب يقيمون في الخارج كتبوا بعض روايات أثار إصدارها ضجة كونها لم تكتب ممن عاشوا الحدث.

عموما يتسيّد الشعر واليوميات وهذا طبيعي.

ما أهمية الأعمال الأدبية في تثوير المجتمع ضد المحتل؟

أعتقد أن أهمية الأعمال الأدبية في تثوير المجتمع ضد المحتل على المستوى اللحظي شبه منعدمة. ربما يكون لها أهمية خلال سنوات طويلة وذلك حين تدرس ويتشربها الناس. مضى ذلك الزمن الذي كانت القصائد فيه تحرك القليلة أو الجيش. كم صرخ أهل غزة: “وامعتصماه !” ثم صاروا يشكون في صدق القصة، فلا معتصم ولا خالد بن الوليد ولا صلاح الدين الأيوبي ولا حتى  … الخ الخ الخ  .

هل تساهم الأعمال الأدبية في دعم الرواية الفلسطينية ونشرها عالميا؟

يمكن أن تساهم. إنها تحتاج إلى من يقوم بذلك. إلى من يروجها، ولكن لا تتوقع الكثير، فوسائل الإعلام في البلدان الغربية لا تسمح بذلك. خذ وسائل التواصل الاجتماعي والمنع والحذف الذي تمارسه. حتى رواية “الشوك والقرنفل” لاقت من التضييق عليها ما لاقته. منذ عقود برز إبراهيم طوقان ومحمود درويش وتوفيق زياد وإميل حبيبي وسميح القاسم وفدوى طوقان وأحمد دحبور واحمد مناصرة وهارون هاشم رشيد وسحر خليفة وجبرا إبراهيم جبرا وغيرهم ممن أثر المشهد السياسي والوطني بأعمالهم.. اليوم هل هناك قامات أدبية تحلق عاليا؟ بالتأكيد هناك أدباء فلسطينيون جدد لهم حضورهم. فازت عدنية شبلي صاحبة رواية ” تفصيل ثانوي “بجائزة عالمية، وترجمت روايتها إلى لغات عديدة، وهناك رواية أخرى حظيت باهتمام وترجمات هي رواية ابتسام عازم ” سفر الاختفاء ” ويترجم لكتاب وشعراء كثر. السؤال هو: ما الانتشار الذي تحققه الأعمال المترجمة؟

هل هناك توثيق أدبي للمحرقة في فلسطين. بمعنى رواية الأحداث للعالم والتاريخ عبر الأعمال الأدبية؟

أعتقد ذلك. هذا التوثيق يقوم به أدباء غزة. في بداية الحرب كان التوثيق قليلا. الآن هناك أدباء يكتبون، ونحن خارج قطاع غزة نحاول أن نسهم في ذلك. شخصيا لم أنقطع عن كتابة اليوميات، وهي ذات صبغة أدبية تربط اللحظة بشبيهاتها منذ ١٩٤٨. أسير على خطى معين بسيسو في كتابه ” يوميات غزة”. على فكرة فإن بعض نتاج معين الذي لم تذكر اسمه نقل إلى لغات عالمية منها الألمانية. هنا أخص كتابه “دفاتر فلسطينية”.

ما المطلوب لنشر تفاصيل الجرائم الإنسانية في غزة الى العالم؟

يجب على مؤسساتنا وسفاراتنا وكتابنا ألا يتركوا صغيرة أو كبيرة إلا ودونوها أو صوروها، ويجب أن نعمم ذلك كله في المناسبات والاحتفالات واللقاءات والكتابة.
غزة/ نابلس
المصدر:  https://felesteen.news/post/156806/%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B7%D8%A9-%D9%8A%D9%82%D8%AF%D9%85-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%AF-%D9%8A%D8%AD%D9%8A%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%B7%D8%A7%D8%A8%D9%82-%D8%A7

About هيئة التحرير

Check Also

كتبوا أو رسموا واستشهدوا: صاحب «الشوك والقرنفل» شهيداً

وأخيراً ارتقى يحيى السنوار صاحب السيرة الروائية «الشوك والقرنفل» (2004) المولود في مخيم خان يونس …