بيير ميروشدجي*
يتساءل المحرر: أمن الممكن أن يجري تنقيب آثاري بهدوء في بلد إبراهيم وسليمان؟ أو في الواقع أمن الممكن أن يجري بهدوء تنقيب أو أي شيء آخر؟ فالآثاريون لا يجهلون أن أعمالهم يمكن أن تُستغل، أو بالأحرى استغلت، في أي مكان في العالم لتـأكيد أساطير، أو هوية، أو مطالبة بأراض، ولكن هذا لا يمنعهم من إجراء التنقيب العلمي حتى في منطقة “حساسة”. والأصح أن هذا يجبر الباحثين على الالتزام بأقصى حدود الدقة وربما بتعديل منهجيتهم أحياناً. والمسائل التي يطرحها التنقيب هي من قبيل كيف تُُؤرخ مواقع تعود إلى ما يقرب من 3000 عام بخطأ لا يتجاوز بضع عشرات السنين ما لم يكن قد بت في الخلاف حول سلطة الملك سليمان.
ـ تجاهل التوراة:
على الرغم من الاكتشافات الأثرية العديدة التي أنجزت خلال ما يزيد عن قرن في الشرق الأدنى، فإن التوراة تظل المصدر الأول لتاريخ المنطقة. وهي تعطي بوجه خاص نماذج مفيدة لتفسير معطيات الأرض، ولكن بشرط ألا نتوقف عند التغيرات الطارئة المفاجئة التي توردها.
سؤال: في شهر آب من عام 2005 أعلن آثاري إسرائيلي عن اكتشاف بقايا» قصر داوود «في القدس. فلا بد إذن أن يكون الآثاريون قد سعوا لإيجاد آثار الروايات التوراتية على الأرض؟
جواب: لا أستطيع أن أتحدث عن هذا بالتحديد لأن البحث لا يزال جارياً، ونتائجه بحاجة للتدقيق. ولكن اكتشاف بقايا بناء كبير في مدينة القدس يعود تاريخه إلى القرن العاشر قبل المسيح هو أمر مهم جداً. ومن الطبيعي أن يطرح السؤال: أمن الممكن أن يُنسب إلى داود وسليمان. وقد سبق أن طرح سؤال مماثل عندما اكتشف كارل بلنجن في عام 1930 في بيلوس في اليونان قصراً يرجع تاريخه إلى القرن الرابع عشر أو الثالث عشر قبل الميلاد، فقد تساءل بعضهم أهذا القصر هو قصر نسطور الذي نعرفه من الإلياذة.
سؤال: فمن الممكن إذن التأكد من التوراة على الأرض؟
جواب: حتى القرن التاسع عشر كانت التوراة الوثيقةَ الوحيدة التي تتحدث عن عدد من شعوب الشرق القديم المنسيين كلياً. ومن هؤلاء مثلاُ الآشوريون الذين تورد التوراة أسماء ملوكهم. ففي ذلك العهد كان القليل الذي نعرفه عن تاريخ الشرق، ومن ثم تاريخ فلسطين، هو ما علمناه من التوراة. فمن الطبيعي إذن أن نرجع إليها عندما نجري أبحاثاً في هذه البلدان. لقد استخدم الآثاريون الأوائل التوراة لتكون رائدهم في أبحاثهم داخل فلسطين، ثم عادوا فاستغلوا اكتشافاتهم لمحاولة تثبيت صحة روايات التوراة. ومن المنطقي السير في هذا الطريق عند تطوير علم الآثار.
سؤال: ما هي حصيلة هذا السير؟
جواب: لقد أتاح لنا هذا السير تحقيق خطوات مهمة في شطر كبير من القرنين التاسع عشر والعشرين. ولكي لا نخرج عن مثال بلاد الآشوريين، فقد حاول آثاريون إيجاد آثارهم في العراق. وعندما أفلحوا في فك أسرار الكتابة المسمارية، بدأت تظهر أسماء ملوك لم تكن معروفة إلا في التوراة، والتي كان وجودها مشكوك فيه. كان ذلك معجزة، فما كان يظن أنه خاص بالتوراة وأنه من قبيل الخرافة، تبين أن له أساساً تاريخياً. وهذا ما شجع العمل لفترة من الزمن على التأكيد الأثري لقصص التوراة.
سؤال: ولكنْ كثيراً ما أخفقت هذه الأبحاث؟
جواب: نعم، ولكن هذا الإخفاق كان خصباً. فقد طرح مثلاً السؤال التالي: متى حدث الخروج والاستيلاء على الأرض الموعودة؟ إن هذا الخروج لم يُعثر له على أي أثر. ولكن ما لوحظ هو قلب شديد للأوضاع في فترة الانتقال من عصر البرونز إلى عصر الحديد، وبخاصة تخريب عنيف لعدة مدن، فكان من الطبيعي أن يُعتقد أن الشعب العبري قد تمركز في فلسطين في تلك الفترة. ثم بُحث عن تدقيق أكثر في هذا التاريخ. عندئذ تبين شيئاً فشيئاً أن استيلاءهم على الأرض الموعودة ليس له أساس من الناحية الأثرية.. وبوجه عام لم يعد يوجد آثاري جدي اليوم يعتقد بأن سفر يشوع له أساس تاريخي محدد. وثمة تقديرات أثرية جرت في بداية تسعينات القرن الماضي كشفت بوجه خاص أن الثقافة الإسرائيلية بدأت تظهر عند الهضاب في وسط فلسطين على صورة استمرار للثقافة الكنعانية السابقة.
سؤال: على الآثاريين إذن أن يحذروا التوراة؟
جواب: لوحظ بعد تكرار الاكتشافات أن البحث المنهجي لتثبيت أمر ما على الأرض سيؤدي إلى الفشل. فقد تبين الآن، وفيما بعد، أن النص التوراتي لا يمكن أن يفسر الاكتشافات الأثرية في جميع جوانبها، لا بل إنه يناقضها في أغلب الأحيان. ولكن علينا أن ننظر إلى هذه الحقيقة على أنها نسبية. فمثلاً إن ما ترويه التوراة عن فترة الاستيلاء على الأرض الموعودة هو اليوم، في ضوء الاكتشافات الأثرية، رواية مختلقة عن فترة هي في الحقيقة فترة تقلبات سياسية واقتصادية واجتماعية، ومن بينها ظهور الحضارة العبرية.
سؤال: ومع ذلك نتساءل، ألا تتصف بعض أجزاء التوراة قليلاً بصفة تاريخية؟
الجواب: حتماً، إن رواية التوراة بدءاً من الملوك الذين تلوا سليمان في سفري الملوك لها في خطوطها العريضة أساس تاريخي. ولابد طبعاً من إخضاعها إلى نقد النص [أو السياق الذي ترد فيه]. ولكن من المرجح أنه كان لدى محرر النص نشرات ملكية حررت منذ القرن الثامن قبل الميلاد. أما بالنسبة للفترات السابقة فإن ما حرر فيها في مجال تاريخي ليس سوى مرويات حررت من منظور أيديولوجي، لذلك لا يمكن طبعاً أن نبحث فيها عن وصف دقيق لما سبق أن مر من أحداث في فلسطين قبل هذا التاريخ.
سؤال: ما العناصر التي يمكن أن تحدد هذا التمايز؟
جواب: إن سياق الأحداث يتتالى نسبياً، فأسفار الملوك والأخبار مثلاً يؤكد أحدها الآخر. ثم إن لدينا كمية كبيرة من المعلومات الأثرية وبعض الوثائق المكتوبة. كما اكتشفت نقوش تؤيد هذه النصوص تأييداً غير مباشر، لأنها تذكر مثلاً أسماء ملوك واردة في هذه الأسفار. إن هذه التاريخانية النسبية لا نعني بها إلا الأحداث البارزة كالملوك والمعارك وليس التفاصيل. لأن التوراة تتحدث، بالنسبة لهذه التفاصيل، عن كل قصة صغيرة لها صفة بناءة أو تبرر المعتقد، أو حتى فولكلورية، أي لا صلة لها البتة بالتاريخ حصراً.
سؤال: هل تركت مصر أو ما بين النهرين نقوشا تؤكد أو تدحض أحداث التوراة؟
جواب: كلما تدخل ملك آشوري في شؤون المنطقة، سجل ذلك في نشراته أو صورها في نصبه. فمثلاً نخص بالذكر معركتي تغلات بلصر الثالث Teglat-Phalazar في عامي 743 و734ق.م. أو حصار سنحاريب لمدينة لخيش في عام 701. ولكن هذه البيانات كلها تعود إلى ما بعد القرن التاسع ق.م، وهذه فترة لا يوجد حولها خلاف بين المؤرخين والآثاريين. ولكن الجدل يدور حول الفترة السابقة لها وبخاصة عما بين القرنين الثاني عشر والعاشر ق.م. وهذان القرنان كانا فترتي تأسيس من الوجهة الدينية والثقافية، ولكن النصوص التي تتحدث عنهما فيها شيء من الخرافة.
سؤال: خلال النصف الثاني من الألف الثانية ق.م. كانت المنطقة بكاملها تحت الهيمنة المصرية. إذن أفلا تتحدث السجلات المصرية شيئاً عما كان يجري فيها؟
جواب: تسألون إن كان لدينا معطيات تاريخية مباشرة أو رقم وجدت في تل العمارنة التي كانت عاصمة الفرعون أخناتون. إن فيها مراسلة ذات صبغة دبلوماسية، يعود تاريخها إلى منتصف القرن الرابع عشر ق.م. وقد جرت بين مصر ومختلف أجزاء الشرق الأدنى ومن بينها بلاد كنعان. هذه الرقم سبقت ظهور العبريين على الساحة، وهي تساعد على تصور التنظيم الإقليمي لأرض فلسطين وتنظيمها السياسي والاقتصادي في هذه الفترة. وهذه الرقم تبعث فينا» مشهداً إنسانياً «يذكرنا بمشهد حكايات سفر التكوين المتعلقة بالآباء على الرغم طبعاً من كل أنواع المفارقات الواردة فيه، التي تؤكد أن تحريره النهائي جرى في زمن متأخر.
سؤال: هل تساعدنا النصوص التوراتية مع ذلك في طرح تأويلات لبعض المكتشفات الأثرية.
جواب: حتما، ويبدو لي أن التكذيب الكامل الذي يريد بعضهم أن يسقط فيه التوراة هو بمثابة موقف تعتيمي. وما من وثيقة رسمية حتى لو كانت نقشاً آشورياً، يمكن أخذها بحرفيتها، بل يجب التدقيق في النص والتاريخ، فقد يكشف ذلك في قسم منها معلومات يمكن الأخذ بها. فمثلاً يتفق عصر الحديد الأول إلى حد ما مع زمن القضاة. فعصر الحديد يعطينا صورة عن الحياة في ذلك الزمن في المنطقة الجبلية من فلسطين: فقد كانت طريقة الحياة فيه تقوم على المساواة، وعلى تنظيم قبلي، وعلى تحالف كونفدرالي بين القبائل واجتماع القادة على فترات متساوية. بالفعل فهذه الصورة ليست بعيدة كل البعد عما تدل عليه المكتشفات الأثرية. وفي مثل هذه الحال يمكن طبعاً الاستغناء عن التوراة والاكتفاء بالمكتشفات الأثرية. ولكي نفسر عندئذ هذه المكتشفات يجب أن نختار نماذج أنثروبولوجية أنجزت في مناطق أخرى وفي زمن آخر. ولكن يمكن الرجوع أيضاً إلى النص التوراتي بعد إجراء نقد وفحص عليه حسب الأصول لمعرفة إن كانت هناك معلومات تلقي ضوءاً على هذه المكتشفات. وعندئذ لا يمكن اتهام الباحث إذا أراد المزامنة بين رواية التوراة والمكتشفات. فقد يحاول فقط تأويل معطياته باستخدام نماذج جاهزة لديه. ولكي يصنع نموذجاً أرى أن الأكثر منطقية هو أن يبحث عن نماذج موضعية بدلا من أن يأتي بها من أريزونا أو هاواي أو إفريقية.
سؤال: هل كان البحث الآثاري عن تاريخ العبريين القديم يعنينا بشيء لو لم يكن لدينا النص التوراتي؟
جواب: أظن أن اهتمامي بهذا التاريخ مصدره رغبتي في معرفة كل ما أسفر عنه التاريخ والثقافة والحضارة التي كونت أنا منها. وأظن أن اهتمام زملائي بالحضارة اليونانية والرومانية يعود إلى السبب نفسه.وهذا لا يعني أن ليس لدينا اهتمام بهذه الحضارة أو تلك. لأن آثار فلسطين غنية إلى حد أنها تمتد إلى ما هو أبعد من التوراة. فأنا أثور دائماً عندما تُبنى معادلة بين آثار فلسطين والآثار التوراتية. ولم أقم أبداً ببحث آثاري توراتي. فهذا لا يروق لي ولا يروق لمعظم زملائي. والبحث الأثري الذي نقوم به يساهم في معرفة التوراة وفهمها، وهذا واضح ولكنه هدف ثانوي. نحن بكل بساطة نقوم ببحث آثاري، أما التوراة فهي أحد المصادر التي نستعملها، ومصادرنا قليلة جداً بحيث لا يمكننا الاستغناء عن التوراة.
مصادر منعزلة بعضها مؤرخ
ترك المصريون والآشوريون آثاراً مدونة عن علاقتهما بأرض كنعان. وقد أصبحت هذه الأرض للعبريين في بداية الألف الأولى ق.م. ولكن الآثار الأقدم تكذب رواية التوراة: لأن أول ذكر لكلمة إسرائيل [1] (الذي يعود إلى عام 1210ق.م.) يشير أن هذا الشعب قد دمر. ومع ذلك، تؤكد هذه النقوش (منذ نهاية القرن العاشر ق.م.) وجود بعض الملوك، مما يساعدنا على إيجاد توافق مع الرواية التوراتية، وأن نتبين نوعاً ما بعض الجوانب. وفي القرن الثامن تضاعفت المصادر، عند انتشار الكتابة في إسرائيل نفسها.
أمور مذكورة في التوراة ق.م.
1210 ق.م نصب مرنفتاح [الخلاف المذكور أعلاه كان حول قراءة هذا النص “دمرت إسرائيل ولم يعد لبذرتها وجود“. يحيي مرنفتاح انتصاراته على عدة شعوب في أرض كنعان. يستدل من النص أن إسرائيل المقصودة كائنة في الهضاب الوسطى تلا ذلك (حسب التوراة):
الغزو
داوود وسليمان
انقسام الدولة إلى مملكتين : إسرائيل في الشمال، ويهودا في الجنوب
925ـ ق.م حملة الفرعون شيشنق الأول:
تخليد هذا الحدث على جدران معبد الكرنك مع ذكر لأسماء المدن: ريحوف، بيت شان، تاناك مجدو.
تلا ذلك:
عمري ملك إسرائيل لمدة 12سنة
آخاب بن عمري ملك إسرائيل لمدة 22 سنة
853ـق.م آخاب يتصدى للآشوري شلمنصر الثالث في قرقر في سورية ومعه 2000 عربة
(من السجلات الآشورية)
حول العام 850ـ ق.م نصب أقيم بطلب من ميشع ملك مؤاب:
»[كان] عمري ملك إسرائيل، وقد قضى على مؤاب خلال العديد من الأيام… وتلاه ابنه، وقد صرح هذا أثناء ملكي بقوله “سأذل المؤابيين” ..واستولى عمري على أرض مأدبة. وأقام فيها أثناء ملكه وأثناء ملك أبنائه خلال أربعين عاماً «
وجد نقش في تل دان يخلد انتصارات حزائيل ملك آرام دمشق
»[ قتلت يو]رام ابن[آخاب] ملك إسرائيل. وقتلت [آحاز] ياهو ابن [يورام ملك] بيت داود. وحولت [مدينتهم إلى خراب وجعلت] أرضهم قفراً
ياهو يستولي على مملكة إسرائيل بقتله الملك يورام كما يقتل ملك يهودا
841 ـ ق.م تصور مسلة شلمنصر الثالث السوداء ياهو ملك إسرائيل وهو يدفع له الجزية
750 ق.م تقريباً ـ ختم يربعام الثاني ملك إسرائيل[الختم عليه صورة أسد]
720ـ ق.م سقوط إسرائيل
710 ق.م تقريباًـ فرق من الجيش الإسرائيلي انضمت إلى جيش صرغون الثاني الآشوري
700 ـ ق.م نقش يشير إلى انتهاء بناء نفق سيلوي في القدس.
نقش في قصر سنحاريب في نينوى يروي تدمير لخيش
598ـ ق.م نبوخذنصر ملك بابل يستولي على القدس وينفي ملك يهودا يهوياكي
–البدايات(الأصول)
موجز: لقد أصبح الآثاريون يعرفون اليوم أن البحث في فلسطين عن آثار فتحها من قبل عبريين قادمين من مصر غير مجدٍ. على أن انقلاباً عظيماً في الأوضاع الاجتماعية حدث بالفعل في نهاية الألف الثانية ق.م. أي بالتحديد قبل قيام دول ملكية في المنطقة. وسبب هذا الانقلاب ـ كما هو الأمر في مناطق أخرى من العالم ـ هو أزمة انهيار. ثم إن هذا الانهيار ليس الأول في المنطقة: فقد استطاع الآثاريون تحديد حدوث انهيارين غيره منذ العصر الحجري الأخير. وفي كل مرة أقفرت مدن وقرى، وأسس السكان مراكز إقامة أخرى، أو اتخذوا نمطاً بدوياً في العيش.
الأرض الموعودة: هي قصة غزو وفتح خرافية، وقد قدم الآثاريون الدليل على ذلك. ولكن اكتشافاتهم تفسح المجال لتأويل جديد للنصوص التوراتية التي تروي القصة. وعبروا أيضاً عن مختلف أطوار أزمة حضارية نجد مثيلات لها في مواضع أخرى وأزمنة أخرى من العالم.
كانت قصة الاستيلاء على الأرض الموعودة هي من بين القصص التوراتية الأخرى الأكثر مداعبة لخيال الآثاريين. ومن السهل تفسير هذا الاهتمام، منذ بداية الحفريات، فرواية التوراة غالباً محددة بوضوح، وكذلك خطة سيرها المعلمة من حيث المدن المفتوحة والمهدمة لأن معظمها يمكن تحديده على الأرض. ثم إن تهديمها لا بد أن يخلف آثاراً ظاهرة. فكان في ذلك وسيلة لتصور محسوس لرواية التوراة وفي الوقت نفسه تحقق صدقه، ونموذج يستفاد منه في هداية الأبحاث وتفسير المكتشفات
ثمة سؤال يُطرح فوراً: في أي زمن نضع هذا التغير في سياق الأحداث التي مرت على فلسطين؟ الزمن المحدد حسب التوراة هو 1446ق.م. وهو غير مقبول. لأن السيطرة المصرية على أرض كنعان في ذلك الوقت هي مؤكدة. يوجد بالمقابل انقطاع كبير عام 1250ق.م. يشير إلى الانتقال من عصر البرونز إلى عصر الحديد. وقد بدا من الاكتشافات الأثرية الأولى أن العديد من المدن كانت قد دمرت في ذلك الوقت وفي وقت واحد تقريباً. فكان من الطبيعي إذن أن يتفق الآثاريون في النصف الأول من القرن العشرين على أن الاحتلال العبري قد حدث آنذاك.
ولكنهم اضطروا مع تقدم الأبحاث إلى تغيير رأيهم. فتارة لم يعثر على أثر لمدن دمرها يوشع، وتارة وجدت مدن تحدث سفر يشوع عن تدميرها ولكن تبين أنها لم تمس. وتارة أيضاً أرخت الحفريات الأكثر رهافة ودقة تدمير مدن على مدى زمن يدوم عدة أجيال. هذا عدا العديد من المفارقات التاريخية، فبلغت التناقضات حداً لم يعد من الممكن معه الدفاع عن التوراة.
هذا وضعنا الآن. ترى هل يعني ذلك أن لا صحة لشيء في هذه الرواية، وأنها كلها عارية من كل أصل تاريخي. هذا ما يقول به بعض الباحثين. ولكن المعطيات الأثرية الحديثة تدعونا إلى استنتاجات أقل حسماً.
تؤكد الأعمال الأثرية العديدة في المنطقة على أن الفترة مابين 1250 و1100 ق.م. قد عرفت بالفعل انقلابات عظيمة. فقد انحطت الحياة الحضرية، وتكونت منشآت زراعية يقطن في كل منها عدة عوائل، وقد رافق ذلك موجة من الاستيطان في المناطق الجبلية. وكان الغنى المادي يتقدم ببطء شديد، يستدل على ذلك من انعدام المنشآت العمرانية البارزة والأشياء الفنية، ومن انقطاع التجارة الدولية وتراجع الحرف. وبوجه عام لم تكن توجد تراتبية(طبقات) واضحة في المجتمع.
انهيار شامل
لقد رافق هذه التغيرات العميقة موجة استيطان جديدة كالفليستيين الذين تمركزوا بشكل دائم في السهل الجنوبي المحاذي للبحر. وفي المناطق الجبلية كان هناك بالمقبل الكنعانيون المواطنون الأصليون، الذين وضعهم الاجتماعي حائر بين حضر يسكنون الريف وفلاحين نازحين أو رعاة لهم صفة البدو المتحضرين. ويدعونا وضعهم هذا إلى الظن في أنهم الأسلاف المباشرين للإسرائيليين الذين ورد ذكرهم في النصوص التوراتية المتأخرة وفي المصادر غير التوراتية. لأنهم يتمركزون في الأراضي التي عنتها التوراة بقولها إن الإسرائيليين استوطنوها. ويذكرنا تنظيمهم الاقتصادي والاجتماعي فيها بالحال التي يشار إليها في سفر القضاة، وهم الذين بشروا بثقافة مادية جديدة، وهي ثقافة موروثة من عصر البرونز الأخير والذي استمر دون انقطاع من القرن العاشر حتى القرن السابع ق.م.
إن اللوحة التي رسمنا خطوطها الأولية العريضة تذكرنا بوضع مألوف لدى المؤرخين لأننا نصادفه في عهود مختلفة عبر العالم. وهو ما نطلق عليه صفة الانهيار. من الأمثلة البارزة لذلك سقوط الإمبراطورية الرومانية. وانهيار حضارة السند أو حضارة المايا. حيث لا يتعلق الأمر بانحدار حضاري ولا بإزالة نتجت عن ضربات معتد وإنما هو انهيار شامل للمنظومة ككل. فاقتصاد المعيشة والمبادلات والتنظيم الاقتصادي والإداري والسياسي كلها تنهار الواحدة تلو الأخرى، محدثة خراباً اقتصادياً وفوضى سياسية وتفككاً اجتماعياً. وقد أتاح تحليل هذه الظواهر إنجاز تصنيفية تلتقي عناصرها مع تنوع تتفاوت دلالته من مثال إلى آخر ويمر سير هذه الأزمات عامة بثلاثة أطوار.
“عصر غامض” واستيفاء
يتميز الطور الأول بانهيار سريع للبنيتين السياسية والإدارية واختفاء الصفوة الاجتماعية، وانتهاء الاقتصاد المتمركز، طفرة في تبدل السكن وانخفاض في كثافة التجمعات الحضرية، وأخيراً موجة فظة لا ضابط لها من السكان الغرباء. والطور الثاني يتمثل بفترة تراخي، إنه عصر قاتم. إنه يتميز بتقهقر مستوي التكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ويتجلى هذا التقهقر بالتجزئة السياسية، وبظهور مجتمع تجزئه الطائفية والعرقية مماثل للمجتمع الذي كان موجوداً في المنطقة نفسها قبل عدة قرون، وبعودة إلى طريقة في العيش البدائي القديم وبتحضر كثيف لجماعات ريفية.. وهذا الطور على الصعيد العرقي يمكن اعتبار هذا الطور فترة إعادة تكوين يستدل عليها من الطور الثالث حين ظهر شعب جديد.
أما الطور الثالث فهو طور اندماج أو استيفاء، ويتميز بعودة سلطة سياسية موحدة إلى الظهور تستمد شرعيتها من تثبيت روابط سلالية مع ماض زاهر أو بطولي معبر عنه غالباً بهوية عرقية جديدة. ومترافق مع ظهور نخبة واستئناف للعمل الحرفي والتجارة بين الشعوب، وبظهور ثقافة مادية ونمط للإعمار، لكون جميع المنشئات التي سبق إقامتها في الفترة الماضية أصبحت الآن مهجورة، وبظهور مدن حديثة التأسيس أو أعيد تأسيسها.
لم تكن فلسطين هي الوحيدة التي عرفت هذه المسيرة، فالتحول من عصر البرونز الأخير إلى عصر الحديد كان مفجعاً أيضاً في كل الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وكذلك في الأراضي الممتدة من البلقان إلى إيران. ولكن هذه التقلبات أظهرت بدرجات متفاوتة من منطقة إلى أخرى، أوجه شبه بالأسباب وبسير الأحداث وبالنتائج وباختصار بكل القواعد التي هي بالتحديد ما يخولنا الحديث عن نظرية عامة في الانهيار الشامل وفي الشروط المعتادة لمجرياته.
ثم إن هذه الأزمة التي امتدت من القرن الثالث عشر حتى الحادي عشر ق.م.هي إلى حد بعيد تكرار للحوادث التي سبق أن ظهرت في المنطقة. وهذا ما تشير إليه النتائج التي أسفرت عنها التحريات الآثارية في العقدين الأخيرين.، وبوجه خاص في المناطق الجبلية. إن تاريخ هذه المنطقة سواء من وجهة احتلال شعوب لهذه الأرض ودرجة انتقالها من الترحال إلى الاستقرار أو التمدن، يتسم على امتداده الطويل بسلسلة من الأزمات الحادة التي أدت إلى انهيار حضارات قروية أو مدنية متلاحقة.
ولقد أمكن التعرف على أزمتين أخريين حدثتا في الحقبة ما قبل التاريخ. حدثت الأولى في نهاية الألف السابعة ق.م. أي في ختام الفترة المسماة العصر الحجري الأخير ما قبل الفخارية؛ وقد ظلت فلسطين بعدها شبه مقفرة لمدة ألف عام تقريباً. وفي الأزمة الثانية وعند نهاية فترة التمدن الأولى في الألف الثالثة ونحو عام 2250 ق.م، هجرت نهائياً جميع المدن والقرى من دون استثناء، أي ما يقرب مائتي منشأة أو ثلاثمائة، وفي أقل من قرن. فكانت هذه الأزمة استثنائية في شدتها، حتى إنها كانت جذرية أكثر من أزمة القرن الثالث عشر التي تعد نوعاً ما نموذجاً لها.
يتميز طور الانحطاط الذي يتلو هذه الأزمات بتحول سريع من المدنية إلى الريفية وبتحول المزارعين المستقرين إلى ريفيين وبالمقابل تحول الرعاة البدو إلى مقيمين. ويتميز هذا الطور بتأسيس عشرات، بل مئات المنشئات الجديدة على شكل قرى موقتة أو دائمة. وكان هذا التحول في الألف الثالثة فظيعاً، إذ لم نعد نجد عندئذ في فلسطين سوى قرى صغيرة يسكنها رعاة زراعيون وأماكن إقامة فصلية يشغلها رعاة نصف بدو. وتتسم هذه المنشآت بعودة إلى طريقة في العيش رعوية زراعية عتيقة كانت تميز فيما مضى المنطقة الجبلية قبل ألف عام، أي عشية أول تحضر. بعد هذه العصور القاتمة تميز طور التكامل والاندماج أو عصر استرداد الحضارة بطفرة أخرى في الزراعة المادية وفي المسكن. ففي الألف الخامسة ق.م. عادت القرى إلى الظهور، وعاد التحضر في القرن 31ق.م. ثم عودة إلى التحضر في القرن العشرين وكذلك من بداية القرن العاشر ق.م. كما لوحظ ظهور قوميات جديدة
رمانة سليمان المزيفة
اقتنى متحف القدس ثلاثة قطع أثرية أصبحت حديث العبريين في السنوات الأخيرة. إنها موضوعهم المشترك؟ عليها نقوش تشير إلى إحدى حكايات التوراة. ومع أن التحاليل الآثارية كشفت أن الكتابة كانت قد نقشت في عصرنا، إلا أن التحليل الكيماوي والمجهري هو الذي يجب أن يكون فيه الكلام الفصل حول أصالة هذه الأشياء، أو من الجائز أن أعمال المؤرخين والمختصين بالكتابات القديمة قد عطلها؟ . تتضمن القطع الثلاث صندوق عظام أخي يسوع تخليداً لذكراه، وثمرة من العاج نحت عليها نقش حول معبد، وثمة أيضاً عدة قطع أثرية تحمل إشارات إلى التوراة تبين أنها مزورة.
في كانون الثاني عام 2004 حكمت محكمة عبرية على خمسة أشخاص اتهموا بالانتماء إلى شبكة لتزوير قطع أثرية. وفي الوقت نفسه سحب متحف القدس من واجهته الزجاجية إحدى القطع التي كانت تعد من أغلى القطع، هي رمانة من العاج. وتحمل هذه القطعة نقشاً يشير إلى أنها كانت قد استعملت من كهان معبد سليمان، وهو الموقع الأكثر قداسة عند العبريين في العصر التوراتي. واليوم تعد هذه الكتابة مزيفة كان قد نقشها هؤلاء الخمسة. وسرعان ما أطلقت هذه المفاجأة القضائية جدلاً حاراً بين المتحف والمجتمع العلمي. هل كان من الضروري إجراء فحص علمي صارم لهذه الرمانة مع أن المتحف كان قبلها منذ عدة عقود.؟وهل عمل المتحف على ترغيب الخبراء كي يبرروا شراء هذه القطعة بمبلغ 550000 دولار؟ ولكن عدا عن هذا الصراع هناك مسألة المكانة التي تحتلها الخبرة العلمية تجاه الاستنتاجات الآثارية. أما الحَكم النهائي في مسألة الأصالة فيجب أن يكون للتحليل الكيماوي والمجهري. ، أم أنه من الجائز قد تعطل نتيجة
المؤرخين والمختصين بالكتابة القديمة.
ولم يتسن لمدير قسم التأريخ والتنقيب في جامعة تل أبيب المدعو يوفال غورن Yuval Goren أن يفحص هو وفريقه الرمانة إلا في عام 2004. وكان المؤرخون عندئذ يعلقون أهمية قصوى على هذه القطعة، فقد كانت تعد أحد الأدلة الدامغة على وجود معبد سليمان. وإذا سايرنا التوراة فقد بني هذا المعبد في القرن العاشر ق.م. بناء على طلب الإله يهوه (حسب العبرية القديمة.) في قمة تل هو الآن ثالث مكان مقدس لدى المسلمين. وفيه ترتفع قبة الصخرة والمسجد الأقصى. فالصفة المقدسة لهذا المكان تمنع إجراء تنقيب فيه. وهكذا يؤدي انعدام الدليل الناتج عن هذا الوضع ببعض المؤرخين وبعدد من خصوم إسرائيل الحالية إلى دعم فكرة أن المعبد لم يكن له وجود أصلاً. وأنه من ثم لا حق للدولة اليهودية أن تطالب بأي مكان عل التل المقدس.
على الرغم من أن النقش على الرمانة محجوب جزئياً بفسخ في العاج، فقد أمكن تكوين الجملة المكتوبة على الرمانة وهي»ملك لمعبد يهوا فهي مقدسة عند الكهان«. وقد سبق أن عرضت القطعة عند الحصول عليها في سنوات 1980، على الآثاري المحنك نحمان أفيغاد في جامعة القدس العبرية وطلب منه تحديد أصالتها. وقد فحصها هو وزملاؤه بالمجهر وشهد بأنها أصيلة.. ومع ذلك عادت القطعة فأحيطت بالشك عام 2003عندما فحصت قطعتان أخريان قيل أن لهما صلة بالتوراة.
قطعتان أثارتا خلافاً
كانت الأولى رقيماً من الحجر الرملي الأسود تظهر عليه كتابة بالعبرية القديمة، والمدهش أنها مشابهة لفقرتين من التوراة تصفان أعمال الترميم في المعابد التي قام بها ملك يهودا يهوآش. وقد فحص ثلاثة اختصاصيين في المصالح الجيولوجية التابع للدولة هذا الرقيم في عام 2002، فخلصوا بعد التحليل الكيماوي وتأريخ الحجر مع الغشاوة التي تغطيه بالكربون 14 إلى أن هذا النقش يعود إلى أكثر من 2000 عام. فكان هذا في نظرهم يعني أنه على الأرجح أثر باق من معبد سليمان. ولكن عندما اكتشف إدوارد غرينشتين Edward Greenshtein أستاذ الدراسات التوراتية في جامعة تل أبيب عام 2003، صورة هذا الرقيم في صحيفة صباحية، عرف فوراً أنه أمام خطأ جسيم، فبعض العبارات كانت مستعملة بمعناها الحديث، وليس القديم، والعديد منها قد رسمت بطريقة غير سليمة بالنسبة لعصرها. فكتب فرانك مور غروس Frank Moor Gross أستاذ العبرية في مدرسة هارفارد الدينية في كمبردج، ماساتشوستس» لا خطأ من هذه الأخطاء يثبت صفة التزييف في النقش”. فإذا كان ثمة خلاف بين النتائج التي وجدت بالعلوم الطبيعية والنتائج التي توصل إليها تحليل الخط القديم، فهذا يعني بالنسبة لغرينشتين وغروس أن التحليل العلمي قد تاه.
والقطعة الثانية التي أثارت خلافاً، هي صندوق عظام يشبه ما استعمل في العصر الروماني لدفن بقايا بشرية. ويوجد على هذا الصندوق الحجري نقش يقول» يعقوب بن يوسف أخي يسوع «. وكان بعض المختصين بالكتابة القديمة والآثاريين قد صرحوا أن هذا الصندوق أصيل، في حين أن آخرين نادوا بأنه مزيف. وفي عام 2003 طالب قسم العاديات العبري بالاستعجال بالتحقيق. فشكلت لجنتان. فكانت إحداهما مكونة من اختصاصيين بالعلوم الإنسانية والأخرى من علمويين تحت إشراف غورن.
لقد قرر العلمويون أن الغشاء التي تغطي حروف النقش في الرقيم هي من طبيعة تختلف عن الغشاوة التي تغطي ظهر الرقيم. فقد كانت مكونة من خليط من الطبشور والطين المشوب بمعدن وفحم الخشب وأجزاء مجهرية من الذهب. وهذا الخليط لا هو من الرقيم نفسه ولا هو من صخور أرض القدس. وهكذا خلص غورن وشركاؤه إلى أن الرقيم مزور. وقد توصل الفريق إلى النتيجة نفسها بالنسبة للصندوق. فقد بين الفريق أن الغشاوة الموجودة حول النقش وداخله تحتوي على مستحاثات لحيوانات مجهرية لا تعيش إلا في البحر. فمن المستحيل أن تكون هذه المستحاثات قد تجمعت على الصندوق بطريقة طبيعية ناشئة عن الطبشور الموجود في تراب المحيط.. وفي رأي غورن أن المزيفين كانوا قد سحقوا الطبشور قبل أن يمزجوه بالغشاوة المزيفة. وفي حزيران 2003 أرسلت اللجنتان قرارهما بأن هاتين القطعتين مزيفتان.. وقد اقتنع بذلك معظم خبراء العلوم الإنسانية. وما أن ذاعت الشكوك المحيطة بهذين الشيئين حتى شرعت الشرطة في البحث عن قطع أخرى مزيفة، وقد وجدوها عند تاجر عاديات هو أحد المتهمين الخمسة ويدعى عوديد غولان. ولكن هذا ظل يصيح بأن القطع أصلية. فطلب قسم العاديات والشرطة معاً من غورن ومن خبراء آخرين فحص عدة قطع أخرى تحمل نقوشاً (كتابية). فوضع المتحف فريق خبرائه على أهبة الاستعداد تحت إدارة غورن لكي يتبعوا الفحص الدقيق لأجمل قطعة لديهم، وهي الرمانة العاجية. توصل غورن وفريقه إلى نتيجة هي أنه لو كانت الرمانة تعود فعلاً إلى عصر البرونز أي إلى ما بين 3300 و1200 سنة ق.م. ومن ثم إلى تاريخ سابق عن التاريخ المقدر لبناء هيكل سليمان، لما كانت الكتابة التي تحملها سوى إضافة حديثة العهد. فقد أشار غورن إلى» أن الغشاء ليست حقيقياًـ لأنه لا يحوي سوى سليسيوم. وعلاوة على ذلك تجنب كاتب النقش بكل عناية أن تتقاطع الكتابة مع فسخ قديم في القطعة. وهذا يعني أن الفسخ كان موجوداً قبل الكتابة. إذ ليس من المعقول أن نصدق أن أحداً قد قدم رمانة مفسوخة للمعبد. «
عملية البحث عن الأصالة
ولكن غورن ليس موافقاً. ولم يكن المجهر الإلكتروني الماسح (الذي يعطي صوراً مكبرة جداً وتمايزا عالياً [3] دون أن يخرب العينة) قد استعمل في التقصي الآثاري. ولكن هذا المجهر ليس سوى وسيلة جديدة أكثر دقة للتحليل نفسه. وكان من الممكن الحصول على النتائج نفسها عام 1980 لو استعمل المجهر التقليدي. وفي رأي الآثاري غورن، أن المزيفين يفلحون في خداع محافظي المتاحف، لأن المتاحف تكون متشوقة جداً لامتلاك قطعة نادرة لدرجة أن هذه المتاحف مستعدة لأن تهمل بعض مراحل البحث عن الأصالة،» وهذه ليست مسألة علم بل مسألة أخلاق”. وهكذا كان الخطأ في البدء من وجهة نظره هو عدم كفاية التقصي. وبالمقابل تؤكد داياجي مندل Dayagi-Mendels أن أكثر من 90% من الآثار الموجودة حالياً ضمن مقتنيات المتحف أتت من تنقيبات موثقة. وهذا خير ما يثبت أصالتها. أما» ما لا يأتي من تنقيب فيخضع لسلسلة من الاختبارات في مخابر الترميم عندنا أو مختبرات خارجية «وكل القطع التي تثير الشكوك يعاد فحصها من جديد مع الزمن. وأما الرمانة التي كلفت الدولة ما يزيد عن نصف مليون دولار فسيعاد فحصها وسنبقيها لتكون مثالاً عن الفحوص الضرورية.
….
*بيير ميروشدجي Pierre de Miroschedji: منقب آثار ومدير بحث في المركز الوطني للبحث العلمي. وهو يدير حالياً مركز البحث الفرنسي في القدس
نقلها إلى العربية محمد وائل بشير الأتاسي